تزايد محاولات إدخال المخدرات عبر الحدود الغربية
تثير الكميات الكبيرة من المخدرات المحجوزة خلال المدة الأخيرة عبر الشريط الحدودي لغرب البلاد الكثير من التساؤلات، لاسيما مع ثبوت تورط أشخاص من جنسيات مغربية في الكثير من عمليات التهريب التي تستهدف بالدرجة الأولى الشباب، لتعود بنا مجددا مسألة مدى فعالية التنسيق الأمني مع الجارة الغربية إلى الواجهة، في ظل تمسك المخزن بعدم تحمل مسؤوليته بهذا الخصوص، رغم الدعوات المتكررة التي ما فتئت تطلقها الجزائر لوضع حد لهذا الاخطبوط الخطير الدخيل عن قيم المجتمع.
فالتقارير الأمنية التي تصدرها أسلاك الأمن بخصوص إحباطها للعديد من محاولات التهريب لهذه السموم تكاد تكون بشكل يومي، لدرجة تجعلنا نقر بما لا يدع أدنى شك بوجود مؤامرة حقيقية تحاك ضد الجزائر، والتي تتمسك بفكرة أن إعادة فتح الحدود مرهون بضرورة التنسيق الأمني بين البلدين لوضع حد لبارونات المخدرات.
والملفت للانتباه هو أن تهريب المخدرات من الجارة الغربية، جاء في فترة زمنية واحدة، في سياق يضفي الطابع المتعمد على هذه العمليات التي تؤكد على وجود نوايا مبيتة، الغرض منها إغراق الجزائر بهذه السموم التي عرفت تصاعدا خطيرا خلال السنوات الأخيرة.
وكانت أكبر عملية شهدتها المنطقة الغربية في شهر ماي الماضي، عندما أحبطت مصالح الأمن ببني ونيف ولاية بشار، محاولة إدخال كمية ضخمة من الكيف المعالج تقدر بخمسة قناطير و26 كيلوغراما، كانت بحوزة تاجر مخدرات من جنسية مغربية. وجاءت هذه العملية بعد يومين فقط من إلقاء القبض على مغربيين آخرين بتلمسان حاولوا إدخال أزيد من 6 قناطير من الكيف المعالج.
ونجحت جهود مصالح الأمن المرابطة على الحدود في إحباط العديد من نقل المخدرات على مستوى الولايات الأخرى، التي لم تسلم بدورها من هذه السموم على غرار ولايات وهران وسيدي بلعباس وغليزان، فضلا عن العثور على 30 كلغ من الكيف المعالج لفظتها الأمواج على مستوى شاطئ المرينة بولاية الشلف في الأسبوع ذاته، مما يجعلنا نتساءل حقا لماذا هذا الاستهداف ولماذا في هذا الظرف بالذات؟
ولن يجدي المغرب نفعا، إنكار تورطه بشكل مباشر في عمليات إغراق الجزائر بهذه السموم طالما أن تقارير مصالح الأمن تثبت في كل مرة ضلوع أشخاص من جنسيات مغربية في هذه الجرائم، من خلال تقديمه تسهيلات للتسلل عبر الحدود وفق مخطط محكم ظاهر للعيان.
المغرب أصم إزاء الانتقادات الموجهة له
يأتي ذلك في وقت يتمسك المخزن بصم آذانه إزاء الشكاوى والانتقادات الكثيرة الموجهة له من قبل دول الجوار وحتى من دول بعيدة أخرى، لم تسلم بدورها من سموم مخدراته التي تدر عليه أرباحا طائلة، وتعد إحدى محركاته الاقتصادية الهامة ووسيلة لمواجهة الفقر الذي ينخر المجتمع، علما أن العديد من العائلات المغربية لاسيما في منطقة الريف تقتات من زراعة الحشيش والقنب الهندي.
ورغم محاولة المغرب إدارة ظهره لهذه الانتقادات والتملص من مسؤولياته، إلا أن التقارير الدولية تدحض سياسة التمويه التي يمارسها في كل مرة، حيث تؤكد في كل مرة حفاظه على صدارة المجموعة الدولية في إنتاج وتسويق القنب الهندي على المستوى الإفريقي والدولي، مشيرة إلى أن عمليات الحجز الأكثر أهمية التي تمت في شمال إفريقيا تتم في الجزائر، التي تعتبر بالأساس بلد عبور، كون هذه الكميات كثيرا ما تعبا للتهريب باتجاه أوروبا.
وعلى غرار الهيئة الدولية لمراقبة المخدرات التابعة لمنظمة الأمم المتحدة، فقد صنف التقرير الأوروبي حول المخدرات الصادر خلال السنة الجارية، المغرب على رأس قائمة الدول المصدرة للحشيش في القارة الأوروبية بأكثر من 80 في المائة. وتربع المخزن على قائمة الدول المغرقة لدول القارة الأوروبية ب«الكيف”، من بوابة إسبانيا، عن طريق تهريب “راتنج القنب” بالقوارب أو الطائرات من شمال المغرب إلى الضفة الأوروبية. كما أظهر تقرير “المرصد الأوروبي للإدمان والمخدرات”، الصادر بمناسبة اليوم العالمي لمكافحة المخدرات، أن غالبية أطنان الكميات المضبوطة من “لكيف” في أوروبا أنتجت بالمغرب، وأن تنامي تدفق “راتنج القنب” رفع أرقام عدد متعاطيه إلى أكثر من 78 مليون مواطن أوروبي، تتراوح أعمارهم بين 15 و64 عاما، بمعدل 63 بالمائة من أنواع المخدرات.
كما أوضح التقرير الذي شمل جردا لمعطيات 30 دولة بالقارة الأوروبية، أنه في الآونة الأخيرة تم إدخال نباتات مخدرة عالية التنشيط إلى الدول الأوربية من المغرب، مضيفا أن 80 في المائة من مضبوطات المخدرات هي من “القنب” الذي تهرب أغلبية كمياته من المغرب. وتأتي هذه التقارير الدولية التي ترسم صورة قاتمة عن المغرب على المستوى الدولي، في الوقت الذي ما زال فيه البعض يدعو إلى تقنين زراعة الكيف في المغرب، وهو الأمر الذي حذر منه الاتحاد الأوروبي. ولا تزال منطقة شمال إفريقيا تعاني من النصيب الأكبر من هذه الآفة الصادرة من المغرب، إذ وفقا لمكتب الأمم المتحدة المعني بالمخدرات والجريمة، فقد استمرت الكميات المضبوطة في وتيرة التصاعد.
وبلا شك فإن التقرير الأممي كان يقصد بالدرجة الأولى الجزائر التي تسجل بها أكبر المضبوطات من هذه المادة القادمة من الجهة الغربية، حيث حالت جهود مفارز الجيش الوطني الشعبي ومختلف مصالح الأمن دون تمرير مخططات إغراق البلاد بهذه السموم التي ثبت علاقتها الوطيدة بالجريمة المنظمة والإرهاب.
كما تجلت كفاءة أسلاك الأمن، مؤخرا، في إحباط محاولة تهريب 700 كيلوغرام من الكوكايين من الصنف الرفيع، كانت على متن سفينة شحن برازيلية محملة باللحوم المجمدة، مما يجعلنا نقر بسعي شبكات مروجي هذه المواد المسمومة لجعل الجزائر منطقة عبور، بعد أن ظل المغرب إلى وقت قريب المعبر الملائم لشبكات تهريب الكوكايين، والتي تستقدم كميات منها من أميركا الجنوبية عبر الدروب التجارية الجوية والبحرية لتوجيهها إلى إفريقيا وأوروبا.
مليكة /خ
نشر في المساء يوم 11 جوان 2018